• 2021-07-19

مسك الختام

القراءة المتوازية

نعم ... من الممكن قراءة ثلاثة أو أربعة كتب في نفس الفترة، لكن ليس بالضرورة أن تكون قراءة هذه الكتب جميعها في نفس اليوم بالطبع، بل على فترات متفرقة خلال مدة زمنية معينة أو أماكن محددة بصورة متوازية. مع العلم بأن هذه الطريقة تأتي بصورة تلقائية دون تعمد أو رغبة في التحدي أو البهرجة، بل على العكس تمامًا هذه الطريقة تنشأ من الأطوار المختلفة للحالة الذهنية والحسيّة للقارئ، فيما يلي بعض أنواع هذه الكتب على سبيل العد لا الحصر:
الكتب ذات المحتوى الثقيل والحجم الضخم:
وهي الكتب العلمية أو التاريخية أو الشرعية أو كتب التأصيل التي تحوي على جرّعات مركزة من المعلومات والتحليلات والحقائق والأدلة والبراهين والأمثلة والمقارنات ... لنفرض أن أحد القرّاء شرع في قراءة كتاب واحد من هذا النوع وليكن " كتاب جدلية الحجاب للدكتور صهيب محمود السقار " كتاب ضخم جدًا ... ثقيل بالمعلومات والحقائق والاستشهادات ... يحتاج القارئ إلى أن حضور حالته الذهنية بنسبة 100% حتى يتمكن من تجرّع فصول الكتاب علّها تتغلل إلى عقله لينتفع بها في دينه ودنياه ... بلا شك سيجد القارئ أن مثل هذه الكتب لا تصلح أبدًا للقراءة وهو في حالة من الإعياء الذهني بعد يوم طويل في العمل أو في رعاية الأبناء، لأنها ستزيد العقل إنهاكًا لصعوبة هضم المعلومات التي تحويها عوضًا عن المساعدة على الاسترخاء، وبالتالي سيقوم القارئ بتأجيل قراءته حتى ينتهي به المطاف إلى التوقف عن القراءة تمامًا. ولذلك لا بدّ من وجود النوع القادم من الكتب.
كتب منطقة الراحة:
هي الكتب ذات المحتوى الخفيف ... هذه النوعية من الكتب مخصصة لنهاية الأيام المتعبة ... لردم الحفر النفسية التي تسببت بها مطارق الحياة السريعة من حولنا ... لإزالة الخدوش الذهنية التي برزت من مخالب اللحظات المتوحشة ... ولصباغة نظرتنا للحياة بألوان زاهية حتى تعيننا على البدء من جديد في الغد ... لن أذكر أمثلة على هذه الأنواع من الكتب ... فلكل قارئ ذوقه المختلف الذي يفضله ويقوده للعيش في حالة من الصفاء الذهني من الهدوء والسكينة والخصوصية في منطقة الراحة ... لكن في الغالب ما تكون هذه الكتب روايات أو قصص قصيرة ... وقد يعيد القارئ قرائتها مرارًا وتكرارًا على مرّ السنوات رغبةً منه في تلمس طريقه إلى منطقة راحته مهما اختلفت الظروف والأماكن من حوله.
الكتب ذات المحتوى الشيّق جدًا ... جدًا:
هذه النوعية من الكتب خطرة جدًا ونادرة جدًا للأسف.... فهي تتسبب بحالة من الإدمان اللاواعي لإتمامها في أسرع وقت وأقرب فرصة لمحتواها الشيق للغاية ... فقد تقرأها ليلًا ونهارًا ... وقد يصل بك الحال إلى أخذها إلى مكان عملك وفي السيارة وفي الزيارات ... وقد تمتلك نسخة ورقية منها إلا أنك ستحرص على أن تحتفظ بنسخة إلكترونية منها حتى لو كانت مقرصنة على جهاز هاتفك لأنك قد تضطر إلى ترك نسختك الورقية لأي سبب ... هذه الكتب للأسف تظهر في حياة القارئ لمرة أو مرتين في كل ثلاث سنوات تقريبًا ... لكنها ستوفر للقارئ تجربة استثنائية سيظلّ يستمتع باستحضارها في ذهنه بين الفترة والأخرى ... مع العلم بأنها في الغالب ما تكون كتب تحوي على أحداث صعبة وربما قاسية ومؤلمة لكنها شيقة ... ونعم لن أذكر أمثلة عليها أيضًا فلا أريد أن أكون المتسببة بحالة إدمان لأي أحد ... على الرغم من أن صديقتي وأختي الغائبة قالبًا والحاضرة قلبًا "فاطمة" طلبت مني قبل فترة وجيزة توصية لكتب من هذا النوع ... وقمت باقتراح أحد هذه الكتب مع ذكر وتكرار الأضرار الجانبية له ... إلا أنها بشجاعتها المعتادة أقدمت على قرائته وأرسلت إليّ رسالة نصيّة في منتصف رحلة القراءة تقول فيها:" 150 صفحة من الاستنزاف الشديد لصحة مداركي العقلية لحد الآن!" ومع ذلك تمكنت من إتمامه والانتهاء من ما يقارب الـ 400 صفحة في أقل من يومين!.

لن يعرف أهمية هذه الطريقة إلا من قام بتجربتها؛ وحتى لا ينقطع القارئ عن القراءة بشكل نهائي؛ لا بدّ من استيعاب حقيقة أن لكل كتاب مقام مختلف وميقات محدد وحالة عقلية مختلفة ... فالقراءة المتوازية تعمل في حياة القارئ بمثابة الحواجز أو الرصيف الذي يبقيه داخل المسار المخصص للقراءة وإلا فمن دونها سيحيد عن هذا الطريق.